
يخوض نادي الهلال السعودي رحلة استثنائية في كأس العالم للأندية بأمريكا، بعدم الخسارة في أي مباراة، والتعادل مع العملاق الإسباني ريال مدريد، والفوز على المارد الإنجليزي مانشستر سيتي، في طريقه لبلوغ دور الثمانية ، في مشوار يبدو قابلًا للتمديد، وخلفه، العديد من الجنود المجهولين.
وفي كرة القدم الحديثة، تتغير الأدوار وتتطور الخطط، ويبرز لاعبون بقدرتهم على التكيف وصنع الفارق في مراكز غير تقليدية. هذا ما شهده الهلال مؤخرًا مع نجميه، البرتغالي روبن نيفيز والسعودي ناصر الدوسري، اللذين أظهرا مرونة تكتيكية مذهلة، وغيرا مجرى العديد من المباريات الحاسمة بتطبيق أفكار فنية مبتكرة، كأدوات طيعة في يد المدرب سيموني إنزاجي.
واشتهر روبن نيفيز بأنه لاعب خط وسط من طرازٍ رفيع، يمتلك رؤية ثاقبة للعب، وقدرة فائقة على التحكم بإيقاع المباراة، وتوزيع الكرات بدقة متناهية. إنه اللاعب رقم 6 النموذجي الذي يقوم ببناء الهجمات من الخلف ويشكل حائط الصد الأول أمام الدفاع، ومع ذلك، شهدت الفترة الأخيرة تحولًا لافتًا في دوره تحت قيادة المدرب الإيطالي إنزاجي، الذي اعتاد على تلك التعديلات في مراكز اللاعبين وفقًا لما يريده منهم.
ورغم أنه بدأ البطولة في مركز مختلف، ولم يكن هناك مشكلة لنيفيز للتألق في مركزه المعتاد، بل أنه سجل هدف فريقه الوحيد أمام ريال مدريد في دور المجموعات من ضربة الجزاء، لكن الحسابات تغيرت في مباراة مانشستر سيتي، إذ اعتمد إنزاجي على نيفيز في مركز قلب الدفاع الثالث، وهو الدور الذي لم يعتد عليه خلال مسيرته، ورغم ذلك أظهر نيفيز تميزًا لافتًا في هذا المركز الجديد، مقدمًا أداءً دفاعيًا صلبًا، وأبهر الجميع بقدرته على قراءة اللعب واقتناص الكرات، بالإضافة إلى قدرته على قيادة التحولات التي يعتمد عليها إنزاجي في أغلب الأوقات، ليثبت أن جودته تتخطى حدود مركزه الأصلي.
وقال نيفيز بعد مباراة سالزبورج في تصريحاتٍ للموقع الرسمي للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا): “نحتاج فقط لأن نتحسن دفاعيًا، ولأن نكون أكثر دقة”.
ويبدو أنه التزم بما قال، لأنه فضلًا عن تسجيله هدف، وصناعة هدفين، كانت الأرقام الدفاعية لنيفيز مذهلة، حيث بلغت نسبة التدخلات الناجحة له 3ر33%، بينما وصلت نسبة تفوقه في المواجهات الثنائية مع لاعبي الخصم 5ر62 ، كما وصلت نسبة تمريراته الصحيحة إلى 2ر91% وهي إحصائيات إيجابية للغاية، كون إنزاجي يعتمد عليه بشكل كبير في البناء من الخلف
كما قال نيفيز عن مدربه الجديد في بداية المونديال: “تدربنا معه لمدة أسبوع، وأعتقد أننا لمسنا بالفعل قوة هذا المدرب، الفريق قدم أداءً رائعًا بدنيًا وتكتيكيا”.
وأثنى الموقع الرسمي لفيفا على ناصر الدوسري الذي تألق كلاعب خط وسط متعدد المواهب، يتميز بديناميكيته، وقدرته على الربط بين الخطوط.
وأظهر الدوسري إمكانيات كبيرة في هذا المركز، وتوج تألقه بصناعة هدف حاسم ضد باتشوكا المكسيكي ساهم في تأهل فريقه إلى دور الـ 16، وهو ما حظي بدعم جماهيري كبير، حيث أبدت جماهير الهلال إعجابها الشديد بمستواه في دور المجموعات.
ولكن مع غياب سالم الدوسري بسبب الإصابة، واجه الفريق تحديًا في مركز الجناح الأيسر. وهنا، أظهر ناصر الدوسري مرونة استثنائية، ليشغل هذا المركز الحساس، ويغطي العجز ببراعة، ولكن في وسط الملعب أكثر منه في خط الهجوم حيث يتواجد القائد سالم، لقد كان حلًا مثاليًا، حيث قدم أداءً هجوميًا ودفاعيًا متوازنًا، مؤكدًا على قيمته الكبيرة للفريق وقدرته على التضحية في سبيل مصلحة الهلال.
واكتنفت الشكوك قدرة ناصر على التكيف كجناح في وسط الملعب، ولكنه كان في الموعد خصوصًا من الناحية الدفاعية، فضلًا عن قدرته على الركض بطول الملعب لتقديم الواجبات الدفاعية مع المساعدة في التحولات الهجومية، في محاولة منه لتعويض التأثير الكبير لغياب “التورنيدو” سالم الدوسري.
وهذه التحولات في الأدوار لا تختلف كثيرًا عما اعتاد سيموني إنزاجي تقديمه في رحلاته السابقة، والذي يشتهر بقدرته على تطوير لاعبيه، واستغلال إمكانياتهم في مراكز غير متوقعة لصنع التوازن والتفوق التكتيكي، إن قدرة اللاعبين على تطبيق هذه الأفكار هي ما يصنع الفارق، فليست الخطة وحدها قادرة على صنع التأثير.
وربما يكون هذا هو ملخص كل شيء: مدرب يمتلك أفكارًا قوية، ولاعبون لديهم آلية تطبيقها، والنتيجة، رحلة استثنائية مستمرة للزعيم، وسط طموحات لا تتوقف.